هل سقط السودان في الهاوية؟

عاجل

الفئة

shadow
بقلم علي خيرالله شريف

من مهازل التاريخ أن يتوسط الكيان الصهيوني لتقريب وجهات النظر بين السودانيين المتقاتلين، وأن يمشي في جنازة ضحيته، وهو المستفيد الأول والأخير من كل ما يجري. 
لا بد لنا من معرفة الحقيقة الراسخة أن أي تقاتل داخلي في الدول العربية والإسلامية هو من صناعة غربية، وبالتالي فإن أول المستفيدين منه هو الغرب وفي طليعته الولايات المتحدة الأميركية والكيان الغاصب. بل أكثر من ذلك، إن أي تقاتل من هذا النوع هو صناعة غربية، والتاريخ يشهد على ذلك.
إن ما يجري في السودان حالياً ليس جديداً، فهذا البلد العربي الكبير يتخبط في المشاكل منذ عقود، وتُعمِلُ فيه الدول الغربية قتلاً وشرذمةً وتقسيماً ونهباً للثروات التي يكتنزها فوق أرضه وفي باطنها، من معادن ثمينة وأراضٍ زراعية شاسعة ومياه، عبر التدخلات المباشرة وغير المباشرة، تحت مسميات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وجميعات حقوق الإنسان وغيرها... 
فالغرب، الذي يعاني اليوم من أزمات اقتصادية كارثية أوقعته فيها أميركا بحروبها المفتعلة في أوكرانيا وغيرها، يعاني أيضاً من وصول الصين إلى أفريقيا والسودان لتعقد اتفاقيات اقتصادية عديدة، ما جعله يبحث بشكلٍ هستيري عن الوسائل التي تمكنه من طرد الاستثمارات الصينية، وأولها إشعال الحروب في المناطق التي تحط رحالها فيها.
أنشأ الرئيس السوداني السابق عمر حسن البشير قوات الدعم السريع عام 2013، للتصدي لتمرد إقليم دارفور، وعُرِفَت وقتها بمليشيات "الجنجويد" كاختصار لعبارة "جن يمتطي جوادا". وكانت تُدار من قبل جهاز المخابرات والأمن الوطني، على الرغم من أنها كانت تخضع لقيادة القوات المسلحة السودانية . ثم أتبعها البشير برئاسة الجمهورية في 21 أبريل/نيسان 2016 وأصبحت تحت قيادة الرئيس مباشرةً، وتم تشريعها في مجلس النواب السوداني عام 2017. أما قائدها فهو تاجر الإبل محمد حمدان دقلو الملقب بــ "حميدتي"، الذي سرعان ما انقلب على البشير عندما استنجد به أثناء التحركات الجماهيرية ضده وتمرد الجيش عليه. وكانت قد وُجِّهت لتلك القوات لاحقا الاتهامات من قبل ما يُسمَّى بالمنظمات الإنسانية، "بارتكاب جرائم حرب"، وجرائم "التطهير العرقي".
وفي موازاة تمددها العسكري الكبير عملت قيادة الدعم السريع في بناء إمبراطورية اقتصادية مستقلة استفادت فيها من السيطرة على مواقع تنقيب الذهب بجبل عامر في دارفور(قبل أن تتخلى عنه لاحقا لوزارة المالية)، وأسست شركات استثمارية ضخمة داخل السودان وخارجه وعمدت لتوظيف ملايين الجنيهات لمصلحة مشروعات اجتماعية ودعم المناطق المحتاجة ودعم المتأثرين بالسيول والفيضانات. كما امتدت أعمال الدعم السريع لخارج السودان حين أرسلت مؤخرا مساعدات لمتضرري الزلازل في تركيا. واتجهت إلى العمل في مكافحة الهجرة غير الشرعية وانتشرت على الحدود الطويلة بين السودان وليبيا وأفريقيا الوسطى وتشاد لمنع تدفق المهاجرين غير النظاميين، كما أعلنت مراراً عن إحباط إدخال شحنات مخدرات وتوقيف عصابات إتجار بالبشر وتحرير رهائن.
إن الدور الذي تضطلع به هذه الجماعة، هو دور مشبوه، ويتم استغلالها من قبل القوى الغربية المهيمنة. فبالإضافة إلى نشاطاتها داخل السودان وسيطرتها على مناطق الذهب والمعادن الثمينة(وهذه بحد ذاتها نقطة مريبة)، شاركت في مهمات قتالية خارج السودان؛ فتم إرسال الآلاف منها إلى اليمن للقتال إلى جانب السعودية وتحالف العدوان الأميركي وجماعة الرئيس المخلوع عبد ربه منصور هادي، وتم إرسال الآلاف منها للقتال إلى جانب خليفة حفتر في ليبيا، وكانوا على وشك إرسال الآلاف منها إلى الإمارات للعمل كمرتزقة تحت إمرة العائلة المالكة هناك... طبعاً كلامنا هذا ليس وقوفاً إلى جانب الجيش السوداني بل هو عبارة عن نقل المعلومات بشكل موضوعي لا أكثر، ولا يعفي الجيش السوداني والحكم السوداني من المسؤولية ومن تسليم البلاد لأنياب المفترسين.
اليوم تضطلع قوات الدعم السريع بدورٍ كبير في تفتيتٍ جديدٍ للسودان بإشعال حربٍ ضروس فيه مع الجيش الوطني السوداني. وهذا سيؤدي حتماً إلى ضرب المؤسسة التي يُفترض بها أن تكون آخر ما يمثل وحدة السودان. 
إنَّ من سخرية القدر، أن لا يستطيع ثلاثمئة مليون عربي فعل أي شيءٍ لحماية السودان سوى توجيه نداءات خاوية لا تسمن ولا تغني من جوع، ومن ناحية ثانية نرى الدولة السرطانية اللقيطة، الفاعلة في إشعال الحرب، تدعي القيام بالوساطة لوقف تلك الحرب.

*الاثنين 17 نيسان 2023*

الناشر

ام مهدي ام مهدي
ام مهدي ام مهدي

shadow

أخبار ذات صلة